ستظل واحدة من أكثر الأمور إثارة للحيرة لدى المواطن المغربي، أيا كان مستوى الوعي لديه. فما يعرفه بالضرورة أن لغته الرسمية هي العربية، وبالتالي فالطبيعي أن يتعامل بها في ما كل ما هو إداري رسمي، وأن يجدها أمامه في أية مؤسسة عمومية يحلّ بها.
لكن، ما يحدث أن الواقع يصرّ على أن يثبت له العكس، وأن اللغة الحقيقية التي عليه أن يجيدها فعلاً إن كان يريد أن يقضي أغراضه هي الفرنسية، حتى أبسط الرسائل القصيرة التي تصله من الأبناك والمؤسسات التي يتعامل معها تصله بالفرنسية.
من أبسط الأمور إلى أعقدها، ومن أصغرها إلى أكبرها، يجد المواطن نفسه أمام اللغة "الحقيقية" التي تتعامل بها كل الإدارات وهي الفرنسية، وسط تجاهل وتهميش للغة العربية.
تدخل أحد المواقع الرسمية فتستقبلك اللغة الفرنسية في الواجهة، بينما اللغة العربية تبقى خياراً ثانيا – إن كنت محظوظا – أو لا تجدها أصلا.
ورغم أن الفصل الخامس من دستور المملكة ينص على أن العربية تظل اللغة الرسمية للدولة، "وأن الدولة تعمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وأن الأمازيغية تعد أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء"، إلى أن هذا الأمر لا زال يتم التعامل معه كتوصية "للاستئناس" وليس للتطبيق.. وكم يبدو هذا غريبا جدا !
وقد اعتبر القضاء المغربي إصدار مرفق عمومي لقرارات ووثائق محررة بلغة أجنبية مشوبا بعيب المخالفة الجسيمة للقانون، وانتهاكا لإرادة المواطنين المجسدة بنص الدستور، فضلا عن كون اللغة الأجنبية غير منصوص على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني.
كما سبق لرئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني أن أصدر منشورا حول إلزامية استعمال اللغة العربية أو الأمازيغية، مؤكدا، أن الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها "ملزمة باستعمال اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية أو هما معا، في جميع تصرفاتها وأعمالها، وقراراتها وعقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق، سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم".
هذا المنشور كان قد جاء بعد أن لوحظ أن بعض مرافق الدولة لم تستجب للإلزام المذكور، "وهو ما ترتب عنه في بعض الحالات، صدور أحكام قضائية تبطل وثائق وقرارات إدارية محررة بلغة أجنبية، مما يكلف الدولة خسائر مالية، ناهيك عما قد يترتب عن ذلك من خلل في التواصل بين الإدارة والمرفقين".
ومع كل هذا الإرث الدستوري والقانوني والاجتماعي، إلا أن اللغة الفرنسية لا زالت تسيطر بشكل عام، حتى إن بعض الوزراء لا زالوا يستعملونها في الملتقيات والخطابات، مخالفين بذلك الدستور والقانون.
فمتى تنتهي هذه المعاناة مع لغةٍ لا يجمعنا بها سوى أنها لغة "ثانية"، ويجب أن تبقى كذلك.